Wednesday, September 14, 2011

ثورة الأحلام - بقلم زينة

ثورة الأحلام !
في عام 1945م وفي أعقاب الثورة الروسية .. في جزيرة بعيدة كانت هناك مزرعة مليئة بالأشجار الطويلة ذات الأفرع المتعددة والزهور والورود زاهية الألوان كما ويوجد بها بحيرة صغيرة زادت المنظر الجمالي جمالا وبهاء. كانت شمس الربيع حين ينتصف النهار وحين تصبح متعامدة مع الأرض تمتد أشعتها عبر كل منفذ من الأوراق الخضراء في محاوله لاحتضان ما استطاعت من المزرعة الواسعة . كانت تتناثر أشعة الشمس في كل مكان وتنعكس على ماء البحيرة فيُخيل لك في تلك اللحظات انه الذهب اللامع متناثر على أرجاء المزرعة الواسعة .. في تلك الفسحة من عقل الكاتب (جورج أورويل ) حدث شيء ما..لقد قام أهل تلك البقعة الخضراء بثورة !! ...
كان من المستحيل القول بإمكان تمييز الواحد من الأخر ... هكذا انتهت رواية مزرعة الحيوانات..مزرعة التمرد .. تلك النفوس التي رفضت البؤس والاستعباد من قبل جنس آخر ..فقررت أن تخلق فكره جديدة من العدم ..وكأي بداية لفكره جديدة تستطيع أن تجد الحالم ..الساخر والناقد لكن الجميل في هذه المزرعة لم يوجد سوى شيء واحد يدعى (الحلم ) حلم واحد اتفق عليه الجميع باختلاف أفكارهم ومعتقداتهم ..وعدو واحد ..لا خلاف في ذلك ..
تبنت الحيوانات الأخلاق الفضيلة في بداية قصة تمردها , فقرروا أنهم لن يتشبهوا بالإنسان في صراعاتهم ..ولن يضطهد أحدا بني جنسه ..فالكل هنا سواسية ..حددوا هدفهم، ولحنوا الحلم وهتف به  الجميع بكل حماس ..كلا على طريقته الخاصة. لم تُرسم الخطوط النهائية للفكرة في الأذهان بعد حتى توفي القائد ، وقد تكون هذه معضلة ومثبطه في حد ذاتها للرعية ..لكن ما حدث هنا هو العكس فاستمر النشاط والتحضير، وتحويل الفكرة إلى واقع ملموس. حتى استطاعوا إيجاد نظام فكري متكامل فالغير متعلم يسعى جاهدا للتعلم ..والعالم يعلم غيره مبادئ النظام الجديد ويجيب عن أسئلة البقية .. حتى جاء اليوم الموعود .. قامت الثورة على بني البشر. كانت الدوافع الغاضبة أقوى من أعتى أي سلاح بشري. بالعلم والاتحاد والهدف الواضح استطاعت الحيوانات أن تتخلص من عبوديتها وتحكم ذاتها بذاتها.
هكذا كانت البداية فقط..اجتمع المنتصرون لتحديد مبادئ المرحلة القادمة . وكُتبت تلك المبادئ على مرأى من الجميع .. حلم .. ففكرة .. فعمل.. فثورة .. فانتصار.. ثم مبادئ لحياة جديدة .. ثم عمل منظم ومكافح، هكذا تم الأمر، والمستحدث هنا أن الجميع يعمل بكد وجهد وإخلاص ..لأنه يعلم يقينا أنه يعمل لخدمة حريته ولأبناء جنسه وليس لمستعبديهم .
تناثرت أخبار تلك المزرعة كحبات قمح الصباح الباكر في بيت الطيور فالبعض حاول تشويهها والأخر لم يصدقها والأغلب التهمها كما هي فالحقيقة دوما تسود . لم يهنئوا بالسعادة والحرية كثيرا حتى انتشر خبر عودة بني البشر وكل ما يحمله هذا الاسم من ذكريات عند أبناء المزرعة ..كان طعم الحرية والكرامة التي ذاقوها في غياب البشر محرك قوي جدا للتغلب على الثورة المضادة . ما امتدحه حقا هو عودة نفس الوجوه السابقة في ثورتها المضادة فلم يصعب على الحيوانات تمييز عدوها ووحدت صفها في القضاء عليه . من جهة أخرى من الصعب تحديد عدونا إذا كان من بني جنسنا يحمل نفس الملامح يتواجد بين الصفوف ..لا نعلم حقا ..اهو من بني جنسنا ؟ أم هم بشر تنكروا وأصبحوا مثلنا ..؟ هكذا تساءل الجميع بعد فتره .
وكأي عالم حيوان طبيعي فالقوه دائما تسود .استأثر أحدهم بالسُلطة واتخاذ القرارات .. ولم يكن باستطاعة أي منهم أن يعارضه لقوة تابعيه وفصاحة محدثيه. وبدا الأمر أشبه بالاستسلام للواقع بالنسبة للبقية أو الإيمان فقط بان هذا أفضل من ذي قبل وتُركت الأمور كما هي .. لم يكتفِ القائد الجديد باحتكار السلطة لكنه عمل على خرق المبادئ التي قامت عليها مزرعة الحيوانات.
عندما يخاف الكائن فإنه لا شعوريا يسعى للتحكم، إما بأن يهاجم أو يهرب ولأنه توجد تجربه سابقة في مزرعة الحيوانات بنجاح أسلوب الهجوم فقد حاول البعض التمرد مجددا على بطش القائد لكنه أوقف جميع المحاولات  بكل حزم وقوه. بعد تمام أي ثوره في العالم تكون هناك مرحله لاحقه ..أشبه إلى حالة التذبذب، لنسميها المرحلة الانتقالية، ما أكثر نشاطات هذه المرحلة وظهور أوجه جديدة للعديد من البشر لم نسمع بهم سابقا، ويبقى السؤال هل هم مع ..أو ضد .. وما الدوافع التي حركتهم؟ فترى الناس تعامل هذه الوجوه الجديدة بإستراتيجية التخوين والتي تقوم على 3 أساسيات :
1.    أن الطرف (المُخون) لا يعمل لأجل المصلحة العامة .
2.    أن الطرف (المُخون) متفق مع طرف آخر ضد مصلحة الجميع .
3.    أن الطرف (المُخون) يعمل لمصلحته الخاصة فقط ومصالح معاونيه ..فيصبح الهدف الأعظم هو البحث عن الطرف الخفي ومعاقبته ..أليس هذا ما يجري حقا ؟؟
تماما كما حدث في مزرعة الحيوانات ..فقد اتُهم أحدهم بالخيانة وبأنه مسئول عن جميع الأحداث المؤسفة داخل المزرعة ، فمضى الوقت في البحث عن الخائن المزعوم ، ثم البحث عن معاونيه وإعدامهم . وعندما تقتل نفسا فلن تشكل الثانية فرقا ، استمرت سلسلة الإعدامات فأصبح الخوف هو الشعور الوحيد لدى الرعية وازدادت نرجسية وعظمة القائد والامتيازات التي أعطاها لنفسه . قائد مُعَظَّم ذو امتيازات هائلة ورعية خائفة سلمت بأحوالها إنها فرصة ذهبيه لكل الطامعين بخيرات الموقف الضعيف .
لم تنته مزرعة الحيوانات على أية حال، أعلم أن ثورتهم لم تختتم بالنجاح لأنه ليس ثمة نهاية الصراع على السلطات، ولأنهم لم يستطيعوا احتواء تلك المرحلة الانتقالية كما يجب أن يكون. واكتفوا بالقليل من طعم الحرية والكرامة الطازجة في أفواههم إيمانا بأنه أفضل من السابق.
إن عالم الحيوانات سيبقى ذلك العالم بسماته و أساليبه وستبقى الحيوانات تلك المخلوقات منها الطيب ومنها الشرير ، أحيانا يتعدون على حدود البعض ويظهرون جانبهم الأناني الحيواني ، أحيانا فقط لإشباع رغبة الأكل والشرب لا أكثر ..هكذا أصبحنا في زمننا ، رغم بقاء عقولنا نعيش في غابه والكل يعتقد انه الأفضل ..مسرحيه بطلها صراع الرغبات .
قد يكون هذا المكان الأمثل للحديث عن الثورة والتحليل والنقد وتغني الأشعار ..لكنني لن أفعل وأعتقد أن الحديث عن الثورة والتحليلات السياسية والإعلامية التي ملأت الهواء الذي نتنفسه - لو كان بحرا لجف -  وأؤمن يقينا أنه يوما ما ستُكتب الثورة في كتب التاريخ دون ذكر كل تلك الأحاديث الجانبية ، وسيوارى جسدنا بالتراب، وستبقى فقط شجرة أمل ربما زرعناها على إحدى طرقات الحياة، فأثمرت وأَشبعت كل من مر بجانبها، أو بئر تفاؤل فارتوى منه أبناؤنا يوما .
لِنُعلم أبناءنا حماية الأوطان والبحث عن الحرية بكامل فصولها ، لِنأخذ مطالبنا  بأسلوب الحوار المنظم ، لِنتعلم سياسة العطاء والبذل بدلا من البحث المضني عن (الأنا) ، لِنرى سعادتنا في وجوه الآخرين ، لِنحارب فسادا وأنظمه وليس أسماء وأفراد ، لِنعي ما يدور حولنا ، ونعلم غيرنا ، لِنصنع إعلاما حقيقيا مثقفا ينهض بجيل لطالما كـان في المقدمة، هيا بنا نثور على أنفسنا التي بين الضلوع فنغيرها ونهذبها ونعلي همتها لتعود كما كانت :النقاء، البراءة، هكذا ولدنا صفحة بيضاء حرير ناصع، المثابرة والإخلاص والإيمان في قلوبنا أصيل ...إنسانية لا حد لها ،  لِنحدد هدفنا ونغلق مسامعنا وأعيننا عن كل ما يدور حولنا لتكون أذاننا وعيوننا هي قلوبنا وبصيرتنا ، ولأن الله يعرف الحقيقة كاملة ، علينا أن لا نخاف من النقطة في نهاية السطر.

ملحوظة :
كل ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتبة الشخصي وبأسلوبها ولم يَعبر من خلالها.