Wednesday, September 14, 2011

مزرعة الحياة - بقلم سارة محمود

مزرعة الحياة
انطلقت الرواية من نفسية جورج أورويل المولعة بالحرية والثورة الإنسانية، وفى الوقت ذاته ساخطة على حال الثورة الإسبانية، تلك الثورة التى كانت فى أول عهدها ثورة مجيدة، لكنها انقلبت فجأة على الشعب الإسباني نفسه؛ فقضى زمنا تحت الحكم الاستاليني بدكتاتوريته وقمعه.
والرواية من أهم روايات الهجاء السياسي، وهى فى ذاتها رواية بديعة استطاعت أن تتغلب على تقليدية الرواية، وتنطلق الى أبعاد أخرى أوسع وأرحب، هزمت الخوف واستطاعت أن تفرض نفسها على  حياة الناس على الرغم من الصعوبات التي واجهها أورويل لمنع نشر تلك الرواية. يقول جوستاف لوبون الذى عاش فى نفس الفترة تقريبا: "إن الثورات كاللوحات الزيتية، من بعيد تبدو جميلة ودقيقة وأقرب ما تكون إلى الواقع الطبيعي، لكنها عن قريب  تكشف عن ارتدادات وعيوب وترددات وقصور.."
من قريب ترى العجوز ميجور- الأب الروحي للثورة ومطلق الشرارة الأولى- بفلسفته الخاصة التى أطلق عليها اسم الحيوانية، ولخصها فى  تعليماته الدقيقة: "كل من يمشي على قدمين هو عدو، وكل من يمشى على أربع أو له أجنحة صديق". تلك المبادئ التى نقلت الحيوانات من مصاف التدني ورفعتهم، فأضحوا يتحدثون ويتكلمون ويفكرون ويتعلمون. لكنك تدقق النظر في تلك اللوحة البديعة فتفاجأ بأن ما كنت تراه لا يمت بصلة للواقع على الأرض، والأخطاء تتوالى ولا أحد يبدو مهتما، كأن تلك الثورة كانت ثورة لحظية، قام فيها الجميع، فجأة ثم ما لبثوا أن همدوا فجأة.
شيء ما لم يدركه العجوز ميجور أو غاب عن تفكيره، تلك الحيوانات كانت فى حاجة إلى ثورة على النفس أكثر من ثورتها على المستر جونز، لقد قضوا ردحا من الزمن تحت أطنان من الإهانة والذل حتى أضحت تلك الإهانة وهذا الذل جزءا من حياتهم. أدرك أورويل ذلك؛ فلخصه بخيال خصب ولغة ساخرة في مواقف وأفعال، لا تنم عن شيء سوى عن أخطاء جسيمة تتكرر كل مرة.


المنتفعون وراكبو الثورات:
الخطأ الأول للثورة، وهو من أسوأ المراحل التي تمر بها الثورة، عادة ما يكون لهم حظ كبير من التواجد والخطابات، وهؤلاء قد يقلبون الأوضاع مرة أخرى، فنرجع إلى مرحلة ما قبل الثورة. فالخنازير كان لهم قدر كبير من التواجد، ويكفيهم شرفًا أن النداء الأول صدر من أحد رموزهم، وقد ظهرت تلك الصفة من بداية الرواية حين استأثروا بالتفاح، لكن الأمر امتد الى أبعد من ذلك، فبمرور الوقت ظهر استئثارهم بالراحة والسكن؛ فسكنوا القصر مخالفين لتعاليم ميجور، واستأثروا بعدها بالمعاملات التجارية والبيع والشراء، بل استأثروا بالتعليم؛ فلا أحد يتعلم في المدارس سوى صغار الخنازير.
السلبية وافتراض حسن النية:
لا أحد يعترض أو حتى يتحدث، الكل ينفذ بدون مناقشة، ربما لأن الخوف من التغيير مرة أخرى قد شل حركتهم وأعمى أبصارهم، الوضع يتغير تدريجيا، فالخنازير تسيطر وتتلاعب، والوصايا العشر تتحول تدريجيا إلى قوانين رجعية ظالمة.
الإعلام:
الأداة الأكثر حدة وأكثر إيلاما، فالإعلام يتلاعب ويقدم صورا كاذبة، يُهدئ الناس تارة، وتارة أخرى يضلل الرأي العام ويشعل فتيل العصيان، وقد ظهر هذا جليا في صحيفتي برافدا وفياتشسلاف مولوتوف اللذين استخدمهما ستالين لتبرير جرائمه.
البوليس السياسي:
أو كما يحلو للبعض أن يسميهم زبانية الحاكم، نابليون بكلابه الست التي كبرت على الطاعة العمياء وسياسة القوة وإرهاب الآخرين . من يجرؤ على التحدث في ظل شبكة أمنية مكثفة ومدربة على حماية القائد والقضاء على أي صوت ومراقبة الجميع؟
الوقت والغفلة:
لعل مرور الوقت وسلبية الجميع هما اللذان يحولان الثورة إلى نظام آخر ديكتاتوري، الجميع ينسى أو يتناسى، الأجيال القديمة هلكت، والأجيال الحديثة لا هم لها إلا ابتكار أساليب جديدة للعيش أكثر رفاهية وأقل جهدا.
النتيجة فى النهاية أن أصبحت جميع الحيوانات متساوية، لكن بعضها أكثر مساواة من الآخرين، النتيجة أن البعض يستحق أن يعيش أكثر من البعض الآخر، وأن الجميع متساوون فى نظر القانون ما عدا القيادات العليا وأصحاب المال والنفوذ.